صبحة بغورة تكتب: أمي

يستحيل أن نعثر في أي لغة على كلمة تثير في نفس الإنسان من الحب والحنان مثل كلمة "أمي"، والتي لا ينافس حقيقة معانيها في وجدان الإنسان شيء؛ فالأمومة هي الرابط الأطهر والأبقى، وبؤرة الرؤية في الحياة.

يعجز اللسان عن إتمام حسن الوصف، وإكمال أعذب معاني الكلمات التي توفي جزءا من جميل الأم تجاه أبنائها. ومع إطلالة الربيع، وتفتح الأزهار، تهل مناسبة الاحتفال بـ"يوم الأم" الذي يتجلى فيه فيض المشاعر الرقيقة لكل أم، وتهتز أعماق الأفئدة؛ ففي حضورها تعزف أوتار القلوب أروع سيمفونيات الحب، وتهدج الألسنة بلحن الوفاء؛ فهي أعذب نداء وأحلى نغم على الشفاه، وهي الدمعة والبسمة معا، وهي مصدر العطف والحنان، وينبوع الصفاء والعطاء، وبلسم الحزن وشفاء الجراح، وهي أساس العطاء والإحسان، فعندما تمسح الجبين بيدها الرقيقة؛ فإنها تزيل عنه الهموم، وتخفف بلمساتها اللطيفة ما يحل بالجسد من آلام.

الأم هي المدرسة التي احتضنتنا وربتنا وأرشدتنا ورعتنا، وبثت فينا أنبل القيم وأسمى الأخلاق، ووجهتنا نحو الدرب الصحيح في الحياة؛ لذا علينا نجتهد لرد جميلها، والعرفان بفضلها علينا، فإذا مرضنا، سهرت على راحتنا؛ حتى يشفينا الله، وإذا ما كبرنا وأصابنا الشيب ظلت ترانا أطفالها الصغار الذين يحتاجونها في كل وقت؛ لذلك هي كنز رحمة مفقود لأصحاب العقوق، وكنز خير عظيم لأهل البر، فتحت قدمها الجنة.

نعم الجليس

إن الأم هي نعم الجليس، وخير أنيس؛ فمنها نستمد قوتنا وإصرارنا وشجاعتنا، فقد قامت بكل الأدوار تجاهنا على أكمل وجه، وبكل حب وحنان؛ فالأمومة قيمة إنسانية سامية، ومكانة عظيمة، تطالعنا صورها في التاريخ حكما وحكمة، بطولة وشعرا ورواية.

لا يقتصر دور الأم على مجرد تلمس جادة الصواب، وسبل التفكير السليم؛ لضمان التوجيه القويم، والتربية الصحيحة لأبنائها، بل هي أيضا قلب حي، وحس دقيق يفوق الحواس، والتوجه نحو سعة التخيل بعد الضيق لتجديد العزم ورسم الأمنيات؛ فهي تضعنا في مجال اهتمامها بالتفصيل، وتجد لنا في مركز دائرة التعلم موطئا لا نغادره؛ حتى نتغلب على الصعاب، ونتعلم ألا نجعلها تقف في طريق نجاحنا وسعادتنا.

الأمومة

الأمومة عفو دافق، سماح وتسامح هائل في التعامل مع الحياة؛ فهذا ما تعلمناه منها؛ فهي الحلقة التي تكمل فقدان حضور الأب المشغول في كسب قوت أسرته، أو مسافرا لأجل العمل، وفي الحالتين تطمئن أبناءها أن والدهم مشغول من أجلهم وليس عنهم، فتراها تجمع رفق الأم وحسم الأب في آن، وتجمع بين مهام العناية والرعاية والأعمال المنزلية، وبين الشخصية الذكورية القوية لتوفير الحماية والأمان.

التضحية

كم من امرأة آثرت البقاء مع زوج سيء الطباع؛ من أجل تربية أبنائها، وتحملت سطوته وعنفه وإيذاءه، وكم من امرأة فضلت لقب مطلقة أو أرملة على أن تعيد الزواج برجل آخر لا تضمن معه حبه ورحمته لأبنائها الصغار؛ إنها التضحية بأعز ما تملك من شباب وأنوثة، وقمة التحدي والتجاهل القصري للفطرة في أعنف مشتهياتها؛ وذلك لتجنيب أبنائها ألم صقيع الوحدة ومعاناة مرارة العزلة، وإبقائهم في كنف أمومتها ودفئها، تحفظهم في عمق واتساع قلبها، تفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم.

لذلك تبقى الأم دائما في حياتنا في أبهى الصور، بما تعكسه مرايا ثقافات العالم، وتخلده أعمال الشعراء والأدباء، ففي يومها السعيد لا يسعنا، إلا أن نقول "كل عام ونحن نحبك أمي".